المخاطر التي تهدد مدينة صور ومحيطها الأركيولوجي
ثلاث مشاريع كانت تهدّد مدينة صور ومحيطها بأفدح الأضرار وهي تتمثل في تخطيط أونوستراد الجنوب، مرافىء صور والمحمية الطبيعية.
بسبب المخاطر التي كانت محدقة بالمدينة من جراء أعمال التأهيل القائمة وغير المطابقة للدراسات السابقة، لم تتوان "الجمعية الدولية للحفاظ على صور" التي تسعى جاهدةً منذ أكثر من اربعين عامًا إلى حماية صور وما تمثله من إرث حضاري إنساني عالمي، عن التنبيه الى مساوىء الوضع وإطلاق النداءات والإستغاثات الى المسؤولين المحليين والدوليين وعن نشر المقالات التحذيرية في وسائل الإعلام المحلية التي استحقت كل الشكر والتقدير.
إنّ الأشغال التي لزّمتها السلطات اللبنانية في أيلول 1996، لتنفيذ أوتوستراد الجنوب قد أنجزت حتى نهر الليطاني (القاسميّة). ولا بدّ من التذكير بأنّ هذا التخطيط، يخترق في منطقة صور، مواقعاً غنيةً جدّاً بالآثار تتضمن أكثر من 26 معلماً أركيولوجيّاً أهمّها القناة الرومانية من رأس العين إلى صور، على امتداد عشرة كيلومترات وكذلك السور الذي بناه "الإسكندر المقدوني" حول صور البرية لحماية جيوشه، وذلك بموجب خريطة وضعها أحد هؤلاء الباحثين "ح.د. باربييه دوبوكاج".
وإنّ مسار هذا الأوتوستراد يمرّ قرب تلّ المعشوق، الذي يعتبر وسط صور القديمة في نظر العديد من علماء الآثار. ويأوي هذا الموقع نواويس مزينة بأبدع التصاوير، وقد كشف "دونان" عن قسم منها في العام 1937، وهي موجودة في المتحف الوطني.
وإنّ طريق البرج الشمالي تمرّ في مساواة القناة الرومانيّة كما يذكر "برنارد فونكورني" الذي كلفته منظمة "الأونيسكو" بمهمة في صور العام 1996.
إنّ هذا الأوتوستراد الذي يبلغ عرضه مائة متر، يعبر منطقة زراعية هي الأكثر خصوبة في لبنان، ويوقع المنطقة في ضرر إقتصادي، ويفسح في المجال أمام زحف العمران من دون إحترام المعايير البيئية. كذلك فهو يشطر مدينة صور الحديثة إلى قسمين. وكانت اللجنة العلميّة التي شكلتها منظمة "الأونيسكو" قد إقترحت وضع المنطقة المعنيّة تحت الدرس أركيولوجياً وتحديد المحيط الأركيولوجي قبل المصادقة على مسار الأوتوستراد. وقد أدّى سبر الأعماق والحفريات التي قامت بها بعثة يابانية منذ ثلاث سنوات، إلى إكتشاف أركيولوجي في منطقتي المعشوق والرمالي على جانب كبير من الأهمية (مدافن ونواويس ترقى إلى القرنين الأول والثاني ميلادي)، الأمر الذي يحتّم الحفاظ على المحاور الإستراتيجية مثل الدعائم في الرمالي، والنبعه وتل المعشوق.
وقد أشار الخبير الأركيولوجي الفرنسي "دروكور" بوضوح أنّ أرض صور تمتد من الصرفند شمالاً حتى التلال الواقعة شرقي البرج الشمالي، فرأس العين جنوباً، آخذاً في الإعتبار الوجود المرئي للقناة القديمة. وقد دعا "دروكور" إلى المحافظة على محور تل المعشوق مؤكداّ إمتداد المواقع الأركيولوجية لصور ومحيطها إلى المرتفعات المطلّة على المدينة.
وكان واضحاً أنّ مسار الأوتوستراد كما هو مقرّر مضرّ جدّاً، وكان يمكن أن يزاح عشرة كيلومترات في إتجاه شرق المدينة، وأن يجتاز منطقة من التلال القاحلة. وثمّة من يؤكد أنّ ذلك يزيد من كلفة الأشغال. ولكن في النهاية يتمّ التعويض عن هذه الزيادة الضئيلة بالمحافظة على منطقة زراعية ذات أهمية قصوى، إنّ هذا التعديل يسمح بتنمية منطقة لا تزال حتى الآن محرومة ويحمي في الوقت نفسه التراث الإنساني.
وفي تموز من العام 2000 أكّد مدير عام منظمة "الأونيسكو" كوشيرو ماتسورا أنّ المنظمة ستمنح المساعدة لإنجاز حفرية حماية. وستؤمّن العون لإتمام دراسة سريعة وطارئة تأخذ في الإعتبار الوضع الإجتماعي-الإقتصادي، البيئي والأركيولوجي لمنطقة صور.
ومن خلال الحملات المتتابعة للجمعية الدولية للمحافظة على صور واللجان الوطنية المنبثقة منها، تقدّمت اللجنة بطرحين لتنفيذ التخطيط في كانون الثاني 2000 إلى مجلس المشاريع الكبرى ومن ثمّ عام 2002 إلى مجلس الإنماء والإعمار، لكن المسؤولين تذرّعوا لتبرير رفضهم بأنّ هناك أماكن مرتفعة ستضطرهم لبناء جسور تزيد من كلفة المشروع.
في الواقع إنّ كلفة الأوتوستراد الحالية تقدّر للكيلومتر الواحد بأربعة ملايين وخمسماية ألف دولار.
في حين أنّ الكلفة بالنسبة إلى الطرح القاضي بإزاحة الأوتوستراد عشرة كيلومترات شرقاً تبلغ سبعة ملايين دولار أي زيادة 30 في المائة عن كلفة الطريق الحاليّة. لكنّ الأمر يختلف بالنسبة للإستملاكات إذ أنّ كلفة إستملاك المتر الواحد في الطريق المرسومة حالياً هي 50 دولاراً، أمّا بالنسبة إلى الطريق البديل المقترحة فإنّها في حدود 3 دولارات. ممّا يعني أنّ الكلفة النهائية ستكون تقريباً هي ذاتها، وذلك من دون إحتساب الخسارة الكبيرة للأملاك الزراعية والتي ترتفع إلى عشرة ملايين دولار في السنة ناهيك عن المشاكل البيئية.
إنّ آخر تقرير في شأن المحافظة على صور والذي اعدّته المديرية العامة للآثار بناءّ لطلب المركز العالمي للتراث يفيد أنّ التخطيط في شرق صور قد عدّل. ولكن وعلى عكس ما كنّا نتصوّر، وما كان يطالب به الأخصائيون، فإنّ المساحة قد حوّرت 500 متراً في إتجاه صور وعلى طول كيلومترين، ممّا أدّى إلى وضع أسوء وإلى شطر السور الإسكندري في عدّة أماكن، وإلحاق الضرر بالقناة الرومانية، وتخريب المنطقة الزراعية وتجزئة المدنيّة الحديثة لصور.
وإنّه لمن المحتم أن تأخذ السلطات المعنيّة قراراً جازماً بتعديل مخطط الأوتوستراد إبتداءً من نهر الليطاني.