إعتاد الفينيقيون أن يبنوا في المدن الساحلية مرفأين: أحدهما من ناحية الشمال والثاني من ناحية الجنوب، آخذين في الإعتبار الرياح البحريّة. فصور، أم قرطاج، التي كانت بواخرها تجوب البحار، تمتلك مرافئ تتناسب مع الحجم الهائل لتجارتها. من هذه المرافئ: مرفأ شمالي معروف بـ "المرفأ الصيدوني" وآخر جنوبي، وهو الأكبر في العالم القديم، ويعرف بـ "المرفأ المصري" وهو الذي أعطى هذا المدى الواسع في العلاقات المهمة التي نشأت بين فينيقيا ومصر. إنّ المرفأ التجاري الحالي في صور مبنيّ فوق المرفأ الصيدوني القديم. ومن خلال المخطوطات، كان أكبر من المرفأ الحالي، وكان موقعه على الأرجح على المدخل الرئيسي للمدينة.
وفي ما يتصل بالمرفأ المصري، فإنّ الأب "بوادوبار" الذي كان خلال الحرب العالمية الثانية أحد أكبر قادة سلاح الجوّ، أجرى كشفاً جويّاً لما تحت البحر، وألّف كتاباً حول الأعمال التي قام بها لعنوان "صور مرفأ كبير يختفي" غوتنر – 1939. وبحسب الأبحاث التي أجراها الأب "بوادوبار" والأمير "موريس شهاب"، فإنّ هذا المرفأ يمتدّ من أحد أطراف المدينة إلى تلّ الرشيديّة.
إنّ مختلف التقارير التي أعدّتها البعثات إلى صور توصي بإستئناف أعمال التنقيب تحت الماء. وكان الوصول إلى صور في الأزمنة القديمة محفوفاً بكثير من الأخطار بسبب غزارة إنتشار الصخور تحت سطح الماء، وإتجاه الرياح. وقد غرقت سفن عديدة مع حمولتها الكاملة قرب الشاطئ أو مراطم أرصفة الموانئ القديمة. واليوم يستخرج الغطاسون بإنتظام أوان وتماثيل وأدوات أخرى مصدرها حطام السفن التي ترقد تحت الماء قرب المرفأ المصري.
ردم الخليج على المدخل الشمالي لصور :
في العام 1987 ردمت أجزاء كبيرة من المرفأ الشمالي (الصيدوني)، من أجل إتاحة المجال لتشييد تجهيزات (مبان، جمارك، مواقف سيارات). وفي العام 1998 لزّم وزير الأشغال العامة أعمالاً لردم جزء من خليج صور بهدف توسيع مدخل المدينة. ونتج عن هذا الأمر أنّ أطناناً من الردميّات قد أفرغت في هذه المنطقة من دون الأخذ في الحسبان الإمكانات الأركيولوجية الموجودة تحت البحر، وإعتبارات البيئة والتاريخ.
وعلى أثر التدخل المتكرّر والحازم للجمعية، ذكّر مدير عام منظمة "الأونيسكو" الذي يبدي إهتماماً كبيراً بوضع
صور، السلطات اللبنانية بالواجبات المترتبة عليها بصفتها دولة موقعة على المعاهدات الدوليّة المتعلقة بحماية
التراث الثقافي، وبالإلتزامات التي أخذتها على عاتقها في إطار الحملة الدولية لصور. وقد كلّف كلاًّ من رئيس قسم التراث الثقافي في المنظمة، ومدير مركز التراث العالمي توجيه كتاب إلى وزير الأشغال العامة يرجواه فيه تأجيل كل الأشغال الهادفة إلى تعديل طبيعة وسمة معالم صور ومحيطها. والتذكير بمنطوق القضية التي تبناها مركز التراث العالمي في دورته الثانية والعشرين من 22 إلى 27 حزيران 1998، ورغم ذلك تصرّ إدارة مرفأ صور على توسيع المرفأ التجاري.
وفي ما يتصل بردم الخليج أوصى السيد "دروكور" الخبير المنتدب من الأونيسكو في خلاصات تقريره بالآتي:
إنّ الردميات المختلفة والتي إنتهى العمل في جزء منها، سمحت بقيام منصّة على البحر مكان الشاطئ القديم. وهو ما يجب تعديله من أجل إيجاد خط ساحلي ينسجم مع المدينة المعروفة بخليجها.
وبفعل تدخلات رئيس اللجنة الفرنسية لحماية صور الأستاذ الكبير "جان لوكلان" ونائبه السفير"بول بلان"، وحملات الصحافة الفرنسية واللبنانية إحتجاجاً على الأشغال القائمة في المنطقة الأركيولوجية، فقد نجحت الحملات في وقف مؤقت لأعمال إنشاء مرفأ تجاري كبير. لكن بعض الأشغال كانت قد أنجزت وعبّد المدخل الشمالي للمدينة متسبباً بأضرار جسيمة. وحالياً عاد مشروع المرفأ التجاري من جديد إلى الواجهة ومن الضروري التحرك لوقفه نهائيّاً. الأمر الذي يتعين على السلطات المختصّة: